تقديم:المحكمة العليا ليست – بحسب الأصل أو القاعدة – محكمة فصل في الخصومة ، بل إنها جهة شكوى ضد المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه ، فهي تحاكم الحكم من حيث صحة تطبيق القواعد الشرعية والنظامية وتأويلها ، وكذلك من حيث الإجراءات التي اتبعت في المحاكمة ، دون أن يكون لها التدخل في تصوير الوقائع أو في تقدير الأدلة.
غير أنه خروجًا على هذا الأصل أو القاعدة تباشر المحكمة العليا عملها بوصفها محكمة موضوع في قضايا الحدود "القتل أو القطع أو الرجم أو القصاص في النفس أو فيما دون النفس". لذا يصح القول بأن قضايا الحدود تنظر من حيث الوقائع والقواعد الشرعية والنظامية المطبقة في المملكة أمام ثلاث درجات، ويكون التقاضي في هذه الدعاوى على ثلاث درجات وليس على درجتين كما هو الحال في جل الأنظمة المقارنة ، وهذا يعكس اهتمام المملكة بحقوق الإنسان ولاسيما الحقوق اللصيقة بالشخصية ويدحض في الوقت ذاته كافة الادعاءات المقصودة أو المغلوطة التي توحي بأن المملكة لا تراعى تلك الحقوق .
مقر المحكمة العليا :بحسب نظام القضاء توجد محكمة عليا واحدة على قمة التنظيم القضائي في المملكة ، ومقرها مدينة الرياض .
تشكيل المحكمة العليا :تتألف المحكمة العليا من رئيس وعدد كاف من القضاة بدرجة رئيس محكمة استئناف.
استحدث النظام القضائي الجديد هيئة عامة في المحكمة العليا تنعقد برئاسة رئيس المحكمة وعضوية جميع قضاتها ؛ لتقرير مبادئ عامة في المسائل المتعلقة بالقضاء ، والنظر في المسائل التي تنص الأنظمة على نظرها من الهيئة العامة. وهذا يعتبر بلا شك نقلة نوعية فريدة من نوعها تساعد القضاة كثيراً ، وذلك من خلال الرجوع إلى هذه المبادئ في حال أشكل عليهم أمر من أمور القضاء .
لا يكون انعقاد الهيئة العامة نظامياً إلا إذا حضره ثلثا أعضائها على الأقل بمن فيهم الرئيس أو من ينوب عنه.
تصدر قرارات الهيئة العامة بالأغلبية للأعضاء الحاضرين ، فإن تساوت الآراء يرجح الجانب الذي صوت معه رئيس الجلسة ، وتعد قراراتها نهائية.
تعيين أعضاء المحكمة العليا :تعيين رئيس المحكمة : يسمى رئيس المحكمة العليا بأمر ملكي.
تكون درجته بمرتبة وزير ولا تنهى خدمته إلا بأمر ملكي.
يشترط أن تتوافر فيه الشروط المطلوبة لشغل درجة رئيس محكمة استئناف.
عند غيابه ينوب عنه أقدم رؤساء دوائر المحكمة العليا.
تعيين قضاة المحكمة :تكون تسمية الأعضاء بأمر ملكي بناء على اقتراح المجلس الأعلى للقضاء .
يشترط أن تتوافر فيهم الشروط المطلوبة لشغل درجة رئيس محكمة استئناف.
آلية عمل المحكمة العليا :تباشر المحكمة العليا اختصاصاتها من خلال دوائر متخصصة ( الهيئة التي تجلس لنظر الدعاوى) بحسب الحاجة ، تؤلف كل منها من ثلاثة قضاة باستثناء الدائرة الجزائية التي تنظر في الأحكام الصادرة بالقتل أو القطع أو الرجم أو القصاص في النفس أو فيما دونها ، فإنها تؤلف من خمسة قضاة ، ويكون لكل دائرة رئيس.
تكون تسمية رئيس كل دائرة من دوائر المحكمة العليا وأعضائها بقرار من المجلس الأعلى للقضاء بناءً على اقتراح رئيس المحكمة العليا.
يكون في المحكمة العليا عدد كاف من الموظفين من باحثين وفنيين وإداريين وكتاب ومسجلين وغيرهم بحسب الحاجة.
تعقد كل دائرة من دوائر المحكمة العليا برئاسة رئيسها وبحضور جميع أعضائها ، فإن غاب أحدهم أو قام به مانع كلف رئيس المحكمة العليا بدلاً عنه أحد أعضاء الدوائر الأخرى في المحكمة.
إذا رأت إحدى دوائر المحكمة العليا – في شأن قضية تنظرها – العدول عن مبدأ سبق أن أخذت به أو أخذت به دائرة أخرى في المحكمة نفسها في قضايا سابقة، أو رأت إحدى دوائر محكمة الاستئناف العدول عن مبدأ سبق أن أخذت به إحدى دوائر المحكمة العليا في قضايا سابقة، فيرفع الأمر إلى رئيس المحكمة العليا لإحالته إلى الهيئة العامة للمحكمة العليا للفصل فيه.
دوائر المحكمة العليا :نظرًا لكثرة الدعاوى التي تختص بها المحكمة العليا ، تشكل بها دوائر متعددة حسب حاجة العمل فيها وتوزع عليها هذه الدعاوى. ويتم ترتيب الدوائر في المحكمة العليا وتشكيلها وتحديد الدعاوى التي تنظرها بقرار من المجلس الأعلى للقضاء بناءً على اقتراح رئيس المحكمة العليا.
وهكذا نجد دوائر للدعاوى الحقوقية و الجزائية والأحوال الشخصية ، كما نجد دوائر تجارية وعمالية. ولكنها لا تعدو أن تكون توزيعًا داخليًا للعمل على قضاة المحكمة . إذ تعد كل دائرة جزءًا من المحكمة تباشر اختصاصها الذي خوله لها النظام.
ولذا إذا طرحت أمام دائرة دعوى من نصيب دائرة أخرى فإنها لا تقضى فيها بعدم اختصاصها ؛ لأن النظام يعقد الاختصاص للمحكمة كلها ، وإنما تأمر فقط بإحالة الدعوى إلى الدائرة المحددة لها ، وتسمى هذه إحالة داخلية أو إدارية.
أهداف المحكمة العليا :يهدف نظام القضاء من جعل المحكمة العليا هيئة واحدة على قمة التنظيم القضائي في المملكة إلى :
1. مراقبة سلامة تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية وما يصدره ولي الأمر من أنظمة لا تتعارض معها ، في القضايا التي تدخل ضمن ولاية القضاء العام.
2. توجيه نظر المنظم إلى ما قد يشوب الأنظمة القائمة من بعض أوجه القصور , وذلك بما يصون للمصلحة العامة للمجتمع حرمتها وبما يضمن للأفراد حقوقهم وحرياتهم .
اختصاص المحكمة العليا :ينحصر اختصاص المحكمة العليا من الناحية النظامية في الحالات التالية :
الحالة الأولى : مراجعة قضايا الحدود "القتل أو القطع أو الرجم أو القصاص في النفس أو فيما دون النفس". وفي هذه الحالة فإن المحكمة تباشر عملها بوصفها محكمة موضوع وليست محكمة تطبيق للنظام ، وعليها أن تتبع ذات الإجراءات التي تتبعها محكمة الموضوع بحسب نوع الدعوى ، فتنظرها بذات الطريقة ، وفي ذات الحدود ، ويكون لها التصدي لمتهمين غير من أقيمت الدعوى عليهم ، أو لوقائع أخرى غير المسندة إليهم.
وتعرض المحكمة العليا للموضوع في قضايا الحدود وجوبي لا جوازي. ويشترط فيه أن يكون الحكم الذي قبلت الطعن فيه بين الخصوم أنفسهم وعن التهمة ذاتها . فالنظام قد أوجب إجراء محاكمة ثالثة بمعرفة المحكمة العليا في قضايا الحدود "القتل أو القطع أو الرجم أو القصاص في النفس أو فيما دون النفس".
الحالة الثانية : الرقابة على الأحكام الصادرة من محاكم الاستئناف بشأن :
مخالفة أحكام الشريعة الإسلامية وما يصدره ولي الأمر من أنظمة لا تتعارض معها .
صدور الحكم من محكمة غير مشكلة تشكيلاً سليماً طبقاً لما نص عليه نظامًا.
صدور الحكم من محكمة أو دائرة غير مختصة.
الخطأ في تكييف الواقعة ، أو وصفها وصفاً غير سليم.
وفي هذه الحالة تعتبر المحكمة العليا محكمة تطبيق للنظام لا محكمة موضوع ، وهذا هو الأصل العام في اختصاصها.
الحالة الثالثة : النظر في طلبات معاودة السير في الخصومة بعد شطب الدعوى للمرة الثانية نتيجة غياب المدعي عن الجلسات وعدم تقدمه بعذر تقبله المحكمة ناظرة الدعوى.
الحالة الرابعة : الفصل في طلبات التماس إعادة النظر في الأحكام الصادرة عنها ، ولذلك صور :
إذا كان الحكم قد بُنِيَ على أوراق ظهر بعد الحكم تزويرها ، أو بُنِيَ على شهادة قضي – من الجهة المختصة بعد الحكم – بأنها شهادة زور.
إذا حصل الملتمس بعد الحكم على أوراق قاطعة في الدعوى كان قد تعذر عليه إبرازها قبل الحكم.
إذا وقع من الخصم غش من شأنه التأثير في الحكم.
إذا قضى الحكم بشيء لم يطلبه الخصوم أو قضى بأكثر مما طلبوه.
إذا كان منطوق الحكم يناقض بعضه بعضاً.
إذا كان الحكم غيابياً.
إذا صدر الحكم على من لم يكن ممثلاً تمثيلاً صحيحاً في الدعوى.
يحق لمن يعد الحكم حجة عليه ولم يكن قد أدخل أو تدخل في الدعوى أن يلتمس إعادة النظر في الأحكام النهائية
أسباب الطعن بالنقض :حدد نظام القضاء والمرافعات الشرعية والإجراءات الجزائية أربعة أسباب للطعن بالنقض ، تتعلق جميعها بالعيوب التي يجوز الطعن بناءً عليها في الأحكام الصادرة من محاكم الاستئناف بشأن :
مخالفة أحكام الشريعة الإسلامية وما يصدره ولي الأمر من أنظمة لا تتعارض معها .
صدور الحكم من محكمة غير مشكلة تشكيلاً سليماً طبقاً لما نص عليه نظامًا.
صدور الحكم من محكمة أو دائرة غير مختصة.
الخطأ في تكييف الواقعة ، أو وصفها وصفاً غير سليم.
هذه الأسباب واردة على سبيل الحصر . فلا يجوز الطعن بالنقض إلا بناءً على أحدها ، ومع ذلك يجوز للطاعن أن يبني طعنه على الحكم على أكثر من سبب منها .
إذا تم نقض الحكم للمرة الثانية – وكان الموضوع بحالته صالحاً للحكم – وجب عليها أن تحكم في الموضوع